رؤية تشريعية لقوانين العمل في ضوء الإتفاقية 190 C
ﻳﺸﻜﻞ اﻟﻌﻨﻒ ﺗﻬﺪﻳﺪاً ﻛﺒﻴﺮاً ﻻﺳﺘﻘﺮار ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻌﻤﻞ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺒﺐ إﻫﺪاراً ﻟﻠﻜﺮاﻣﺔ وﺷﻌﻮراً ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ واﻟﺨﻮف، وﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻟﻤﻨﺸﺂت ﻳﺼﻌﺐ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺸﻜﺎوى؛ ﻧﻈﺮاً ﻟﻌﺪم وﺟﻮد آﻟﻴﺎتٍ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺣﺎﻻت اﻟﻌﻨﻒ، وﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت ﻳﻜﻮن اﻟﺠﺎﻧﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻠﻄﺔ، أو ﻳﻜﻮن اﻟﺠﺎﻧﻲ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ، وﻳﺆﺛﺮ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﺳﻠﺒﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺟﻲ/ة ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ إﺟﺮاء ﺗﺤﻘﻴﻘﺎت ﻋﺎدﻟﺔ أو ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻼزم ﻟﻪ/ﻟﻬﺎ، وﻣﻊ اﺳﺘﻤﺮار ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﺗﺘﺰاﻳﺪ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺘﻐﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ وﺗﺰﻳﺪ ﻣﻌﺪﻻت دوران اﻟﻌﻤﺎﻟﺔ وﺗﻘﻞ اﻟﻘﺪرة اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ.
إن اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ أﻣﺎﻛﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻹﺟﺮاءات اﻟﻤﺘﺪاﺧﻠﺔ، وﺗﻮﻓﻴﺮ ﺑﻴﺌﺔ ﻋﻤﻞ داﻋﻤﺔ وﺗﻮﻓﺮ ﺳﺒﻞ اﻷﻣﺎن ﻟﻠﻨﺎﺟﻲ/ة ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺸﻜﻮى وﺳﻴﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ، وﺑﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻮﺟﻮد ﻧﺺ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت ﻳُﺠَﺮّم اﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﻳﻢ اﻟﻌﻨﻒ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻌﻤﻞ؛ ﻷن ﻫﺬا ﺳﻮف ﻳﻌﻄﻲ ﺻﻼﺣﻴﺎت ﻹدارات اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ واﻟﺴﻼﻣﺔ واﻟﺼﺤﺔ اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺗﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺄدوار أﻛﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺸﺂت وﺗﻄﺒﻴﻖ إﺟﺮاءات اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ واﻟﺤﻤﺎﻳﺔ؛ وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺳﻴﺎﺳﺎت اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﻨﻔﺴﻲ.
وﻫﺬا ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻧَﺼّﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ رﻗﻢ 190 ﺑﺸﺄن ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺘﺤﺮش ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻌﻤﻞ، واﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺪوﻟﻴﺔ (ILO) ﻓﻲ ﻋﺎم 2019، ﻛﺂﻟﻴﺔ دوﻟﻴﺔ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ ﻫﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة وﺗﻮﻓﻴﺮ ﺑﻴﺌﺔ ﻋﻤﻞ آﻣﻨﺔ وﺻﺤﻴﺔ ﻟﻠﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل. وﺗﻬﺪف ﻫﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ وﺣﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻤﺴﺎواة واﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ اﻟﻌﻤﻞ. ﻣﻦ ﺧﻼل ﺳﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﺤﻤﻲ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺮﺟﺎل، ووﺳﻌﺖ اﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻧﻄﺎق اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻓﺘﺤﺪﺛﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻌﻼﻗﺎت وﻇﺮوف اﻟﻌﻤﻞ، وﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻧﻄﺎق اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﻼء، واﻟﺘﻮﺟﻪ إﻟﻰ ﺟﻬﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﻋﻠﻰ وﻇﻴﻔﺔ، وﺧﻼل ﻓﺘﺮات اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺨﻠﻞ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻌﻤﻞ، واﻷﻧﺸﻄﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﺪرﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻤﻬﺎ اﻟﻤﻨﺸﺂت وﻏﻴﺮﻫﺎ.